إن القدرة على التعاطف مع معاناة الآخرين هي آلية تطورية تساعدنا على حماية أنفسنا.

كتب والت ويتمان: "لن أسأل الرجل الجريح عما يشعر به - سأصبح أنا الرجل الجريح" ("أوراق العشب"، قصيدة رقم 33. ترجمة: شمعون هالكين). عندما نرى شخصًا يتألم، نشعر بألمه في جسدنا. ولكن عندما نرى شخصاً مريضاً، هل نشعر بمرضه في جسدنا؟ هذا هو السؤال المثير للاهتمام الذي طرحته البروفيسورة سيمون شاماي زوري من كلية العلوم النفسية في جامعة حيفا، في دراستها الجديدة التي دعمتها مؤسسة العلوم الوطنية الإسرائيلية.
وتقول البروفيسورة شاماي زوري: "تشير الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة إلى أن الجهاز العصبي المركزي والدماغ يلعبان دورًا في التعاطف". عندما أرى ألم شخص آخر، يُحاكي عقلي تجربته العاطفية، فأشعر بالضيق. هناك مناطق في الدماغ تُسمى "مناطق المرآة"، وكما يوحي اسمها، فهي مرآة تعكس الألم الذي يعانيه الشخص الآخر. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يُنشّط الدماغ، بالإضافة إلى محاكاة الألم، أنظمةً أخرى في الجسم تُحاكي تجارب أخرى للشخص الآخر، كالمرض مثلاً؟
بالإضافة إلى كونها قيمة اجتماعية أساسية، تشرح البروفيسورة شاماي تسوري أن التعاطف له دور تطوري: إذا شعرنا بألم أصدقائنا، فنحن في الواقع نعد أنفسنا لاحتمالية أن نشعر بالألم بأنفسنا. هذه هي طريقة الدماغ لإخطارنا بالخطر الوشيك، مما يجعلنا قادرين على حماية أنفسنا بشكل أفضل. وفي الدراسة الجديدة، يتساءل البروفيسور شاماي زوري عما إذا كان المنطق التطوري نفسه ينطبق عندما يتعلق الأمر بمسببات الأمراض.
عندما أعتني بشخص مريض، كطفل مصاب بالحمى مثلاً، هل يُفرز جهازي المناعي أيضاً السيتوكينات، التي تُنشّط الجهاز الالتهابي، استعداداً لاحتمال إصابتي بالعدوى والمرض؟ هل هناك تعاطف مناعي؟ ففي النهاية، إذا دخل مُمْرِض - فيروس أو بكتيريا - إلى مجموعة من الصيادين والجامعين، فمن الأفضل لجميع أفراد المجموعة أن يُهيئوا أجهزتهم المناعية، وبالتالي يُصاب عدد أقل بالمرض ويموت عدد أقل بسببه. إن التعاطف له دور تطوري: إذا شعرنا بألم أصدقائنا، فنحن في الواقع نعد أنفسنا لاحتمالية أن نشعر بالألم بأنفسنا.
لاختبار هذه الفرضية، قامت البروفيسورة شاماي زوري وزملاؤها بتصوير مقاطع فيديو لأشخاص مرضى يتحدثون عن مشاعرهم، إلى جانب مقاطع فيديو لأشخاص أصحاء. وقد عرض الباحثون مقاطع الفيديو على 60 شخصا، وطلب منهم ملء استبيانات حول أعراضهم قبل وبعد الفحص - وبالفعل تبين أنه بعد التعرض لمقاطع الفيديو الخاصة بالمرض، أبلغ الأشخاص الأصحاء عن آلام وأوجاع وضعف، مقارنة بالتعرض لمقاطع الفيديو الخاصة بالصحة، والتي لم تغير مشاعر الأشخاص. علاوة على ذلك، أظهرت التجربة أن هناك علاقة مباشرة بين درجة التعاطف التي شعر بها الشخص تجاه المريض الذي تم تصويره والأعراض التي أبلغ عنها بعد المشاهدة.
بالطبع، يبقى السؤال: هل هذا شعور ذاتي أم حالة جسدية قابلة للقياس؟ هل يُصاب الأصحاء الذين يتعرضون للمرضى ببعض المرض؟ في تجربتنا الثانية، التي لا تزال في بداياتها، اختبرنا سبعة أشخاص، ووجدنا بالتأكيد زيادة في كمية السيتوكينات في دمائهم بعد مشاهدة الفيديوهات. في تجربتنا الثالثة، سنكرر هذه العملية، ولكن هذه المرة باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، في محاولة لرؤية استجابة الدماغ نفسها. نفترض أنه كلما زاد نشاط مناطق المرآة، زادت كمية السيتوكينات المُطلقة في الدم، مما يعني أن مناطق المرآة مسؤولة عن إطلاق السيتوكينات التعاطفي.
المزيد عن الموضوع على موقع العلوم: